حاولت منذ نعومة أظفاري و خشونة جلدي أن أرسم في مخيلتي ملامح دولة اعتقدتها نسيا منسيا تسمى فلسطين ...
حاولت منذ الصغر و المراهقة أن أكون على مستوى العشق و الحب و أفرش أهدابي و عباءتي تحت ثراها وألقمها نبيذ قلبي بيدي....
بلاد أرضها من الجنة ، شعبها من الجنة ، فتياتها حور عين ، نساؤها تسر الناظرين ، ولو على الأقل في مخيلتي...
أتخيلها لا يتمشى العسكر في جنباتها و لا يدوس لوطيو التوراة عشبها...
أتخيلها فتاة لا تعترف بمرحلة ، أتخيلها طهرا دون تمييز المدني و الفلاح و البدوي ، غزاوي و ضفاوي ، فتحاوي و حمساوي ، حكومة عموم وحكومة خصوص ، ثوار الاستسلام و ثوار الانتحار ، متنافسي المخترة ، مناوشات الحصيدة ، علما أن الأخيرة من الممكن أن استوعبها...
قلت لنفسي تشجع هذا زمان اللجوء فاشتدي ، قلت لنفسي لا ضير ان ضاعت القبلة الأولى فلا زلنا نحمل مساجدنا في القلوب التي أعياها كثر ما حملت...
سمحت لأبو نسرين أن يخدعني بقوله شدة و بتزول ، ثم أتبعها باستغفاره لا شدة زالت و لا دنيا قامت ، نعيت نفسي بأغنية لفتاتي قلت لها بها ،
طلي يا بنت و شوفي فعال سلاحنا
انت عليكي تزغردي وحنا حماة بلادنا
مع اعتذاري للسلاح الذي فتك به الصدأ ، مع اعتذاري للفتاة التي انتظرتني ، خدها بنقاء رمل غزة ، شعرها بتموجات بحر يافا، عيونها أصفى زرقة من ماء عكا ، ولكن بوصيتي أردت أن أدفن على الجانب المشير للقدس ليس معارضة للدفن الاسلامي ، ولكن اذا كانت وجهتنا بالحياة فلسطين فلماذا تبدلون وجهتنا في الممات ؟
اعذروني اذا قلت لكم أن أجمل اللغات هي لغة البندقية ، خصوصا اذا نطقت تلك البندقية في أيدي فتياتنا....
وسأمضي محتقرا كل من قال أن الهوى لا يليق بالعرب ، والطهر لا يليق بالعرب ، والأرض ليست للعرب ، يا للعجب...
وسامضي محتقرا كل من قص النخيل و كل من تجرأ على رفض الصهيل...
فحتى لو قالوا أن الأرض ماتت ، حتى لو قالوا أن الأرض غير الأرض و السماء غير السماء ، و اللجوء من الرب ابتلاء ، حتى لو طاردني رجال الدين و الأمن فسأبقى أرددها حتى الممات :
طلي يا بنت و شوفي فعال سلاحنا
انت عليكي تزغردي و حنا حماة بلادنا